البيزنطيّون هم جزء من الإمبراطورية الرومانية القديمة انفصلوا عنها فيما بعد وأسسوا دولة ذات طابع سياسي خاص ، وقد توسَّعتْ دولة البيزنطيين وكانت من أقوى الدول عالكياً من حيث القوة العسكرية والسياسية المخضرمة ، ويرجع أصل البيزنطيين إلى القرن الرابع الميلادي تقريبًا حيث كان البيزنطيون يشكلون مستعمرة في اليونان ويتبعون للإمبراطورية الرومانية ، ثمَّ قام الإمبراطور الروماني قسطنطين ببناء روما الجديدة في موقع بيزنطة القديمة ، وهكذا بدأت ملامح الدولة البيزنطية بالتشكل والخروج من رحم الحضارة الرومانية القديمة منسلخة عنها تماماً ، فهي جزء لا يتجزأ من تاريخ هذه الحضارة .
يرجع سبب تسمية البيزنطيين بهذا الاسم نظراً لظهوره أول مرة في أوروبا الغربية عام 1557م في كتاب كوربوس هستوريا بيزنتيا للمؤرخ الألماني يرونيموس فولف ، ومصطلح بيزنتوم الذي استخدمه المؤرخ الألماني كان اسمًا لمدينة القسطنطينية قبل أن تكون هذه المدينة عاصمة للإمبراطور الروماني قسطنطين الذي سمَّاها القسطنطينية ، ولم يكن مصطلح بيزنطة أو البيزنطيين شائع الاستخدام في تلك الفترة إلَّا في بعض الكتب التاريخية والشعرية ، ثمَّ عاد هذا المصطلح عام 1648م وانتشر بين المؤلفين بعد أن نشر شارل دو كانج كتابه هستوريا بيزنتينا، ثمَّ اختفى مصطلح بيزنطي حتَّى القرن التاسع عشر عندما شاع وانتشر في العالم بشكل كبير ، وكان مصطلح الدولة اليونانية هو الاسم الذي يدل على البيزنطيين أيام الدولة العثمانية .
عندما نخوض حديثاً يتمحور حول تاريخ الحضارة البيزنطية نجد أنه يمكن القول بأنَّ الإمبراطورية الرومانية هي جزء من الإمبراطورية الرومانية القديمة ، ظهرتْ الإمبراطورية البيزنطية أو الحضارة البيزنطية عندما نقل الإمبراطور قسطنطين عاصمته من روما إلى القسطنطينية ، وقد عُرفت هذه الحضارة باسم الإمبراطورية الرومانية فهي استمرارٌ مباشرٌ للإمبراطوريَّةِ الرومانيَّة، حتَّى أنَّ تقاليد البيزنطيين هي ذاتها تقاليد الرومان من قبل ، أمَّا الاختلاف الذي كان بين الدولة الرومانية والبيزنطية هو أنَّ البيزنطيين كانوا يدينون بالمسيحية في حين دان الرومان بالوثنية ، وكان سكان بيزنطة يتحدثون اللغة اليونانية ولم يتحدثوا اللاتينية .
بالإضافة إلى كل ما سبق فقد بدأ تاريخ الحضارة البيزنطية بتقسيم الإمبراطورية الرومانية ، ففي عام 395م تمَّ تقسيم الإمبراطورية الرومانية بعد وفاة الإمبراطور ثيودوسيوس الأول ، فعدَّ المؤرخون تاريخ تقسيم الإمبراطورية الرومانية هو تاريخ بداية الحضارة البيزنطية ، وقد استمرَّت الإمبراطورية البيزنطية أكثر من ألف عام من الزمن ، فبدايتها في القرن الرابع ونهايتها في القرن الرابع عشر ، وقد كانت في عصور ازدهارها أقوى دول العالم في النواحي الاقتصادية والعسكرية والثقافية ، وقد عاشت الإمبراطورية البيزنطية فترات حروب طويلة ضد الدولة الفارسية ولكنَّها استعادَتْ قوَّتها في الفترة التي حكمتْها فيها السلالة المقدونية ، فأصبحت أكبر قوَّة في المنطقة آنذاك إلا أنها ولجت لصراع عقيم مع الخلافة الفاطمية في القرن العاشر .
أما في القرن الحادي عشر الميلادي -تحديدًا بعد عام 1071م- بدأت الإمبراطورية البيزنطية تفقد كثيرًا من أراضيها في آسيا الصغرى بعد نشوء الدولة السلجوقية ، لكنَّ الكومنينيين استعادوا سيطرة بيزنطة على الأراضي التي خسرتها واستمرَّت الدولة البيزنطية في قوَّتها حتَّى انتهت سلالة الكومنينيين في نهايات القرن الثاني عشر ، وفي القرنين الأخيريَنِ من تاريخ الحضارة البيزنطية شهدت الإمبراطورية البيزنطية استقرارًا نسبيًا في زمن حكم الأباطرة الباليولوج وكانت إحدى الدول المنافسة في ميزان القوى العالمي آنذاك ، كما شهدت نشاطًا ثقافيًا غير معهود في بيزنطة من قبل ، وفي القرن الرابع عشر الميلادي شهدت بيزنطة مجموعة من الحروب الأهلية التي أضعفتِ الدولة واستنزفت قوَّتها ، فخسرت خسارة جسيمة تمثلت في قسم كبير من أراضيها لعدوها الأول وقتئذٍ وهو الدولة العثمانية التي أسهمت بشكل كبير في سقوط الإمبراطورية البيزنطية في القرن الخامس عشر .
كان ثمَّة علاقات بين العرب في شبه الجزيرة العربية والبيزنطيين الذين كانوا يحكمون بلاد الشام ، كانت هذه العلاقات تخفي وراءها نوايا توسُّعية حملت نوعاً من الخبث وعدم الأمان ، حيث حاول البيزنطيون مدَّ نفوذهم إلى شبه الجزيرة العربية ، وبعد بعثة رسول الله وقيام الدولة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية بدأت الدولة البيزنطية تحاول اتقاء خطر الدولة الإسلامية التي كانت تتوسع بنيَّة نشر الدعوة والتي كانت لديها كلُّ النوايا والمعطيات للتوسُّع نحو بلاد الشام الواقعة تحت حكم البيزنطيين ، فحدثت معركتي مؤتة واليرموك على التوالي ، وبعد سلسلة معارك طويلة خرجتْ الإمبراطورية البيزنطية من بلاد الشام ، ثمَّ خرجتْ من مصر وفلسطين على يد المسلمين أيضًا في عهد خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وفي الوقت الذي ولي فيه معاوية بن أبي سفيان ولاية دمشق بدأتْ سيطرة البيزنطيين على البحر المتوسط بالانحسار شيئًا فشيئًا بعد إنشاء الأسطول العربي الذي حارب الإمبراطورية البيزنطية في قبرص وسيطر على عدَّة جزر كانت تتبع للدولة البيزنطية في البحر الأبيض المتوسط ، والخلاصة أنَّ العلاقات العربية البيزنطية لم تكن علاقات ودٍّ وتحالف في غالبها ، بل كانت علاقات حروب ونزاعات وثارات استمرَّت لسنوات طويلة حتَّى سقوط الإمبراطورية البيزنطية على يد الدولة العثمانية .
ومسك الختام هو حديثنا عن سقوط الحضارة البيزنطية ، فلم يعرفِ التاريخ دولة خالدة على مرِّ العصور ، وعلى الرغم من الفترة الطويلة التي عاشتها الإمبراطورية البيزنطية إلَّا أنَّها سقطت في القرن الخامس عشر الميلادي بعد ألف عام من الوجود البيزنطي الروماني في العالم ، فبعد معارك ونزاعات طويلة دامت طويلاً مع كثير من الأمم والحضارات بدأ تداعي الإمبراطورية البيزنطية بعد انهيار عاصمتها القسطنطينية التي عجزتْ عن فتحها جحافل الشرق والغرب حتَّى جاء القائد العثماني محمد الفاتح وفتحها عام 1453م ، وبسقوطها بدأت الإمبراطورية البيزنطية بالانهيار ، وقد شهدتْ عملية فتح القسطنطينية وجود جحافل عسكرية كبيرة وخبراء وأسطول بحري أسهم في دعم القوات العثمانية البرية أثناء عملية الفتح ، وكانت تعداد الجيش العثماني بين 75 و100 ألفمقاتل لتسقط على أيديهم القسطنطينية التي كانت أسطورة زمانها في القوة والصلابة والثبات .