عامل الصراع في مسرحيات شوقي


 

كتبت/ سماء جمال صابر 


 قد أجرى شوقي الصراع بين العوامل النفسية والعوامل الأخلاقية، وقد لا يكون هذا الاختيار في مبدئه سببًا لضعف تأثير مسرحياته؛ فقد اعتمد "كورني" من قبله على نفس الصراع بين المشاعر والأخلاق، وعلى الأخص بين الحب والواجب، ومع ذلك بلغ من التأثير والقوة مبلغًا رائعًا في «السيد» و«هوراس» و«سينا» وغيرها من مآسيه، ولكنَّ كورني لم يسلك مسلك شوقي، في تخيُّر المبادئ الأخلاقية التي يُدْخِلها في صراع مع العواطف البشرية؛ فالأخلاق التي يستند إليها كورني ترجع في جوهرها إلى ما يُسمِّيه علماء الأخلاق «أدب الرياضة والاستصلاح»؛ أي أدب رياضة النفس على الخير والحق والجمال، واستصلاحها على أساس قيادة الضمير والاستماع لصوته الإلهي.


 وأمَّا شوقي فإنَّ مبادئ الأخلاق عنده تستَنِد إلى ما يُسمَّى ﺑ «أدب المواضَعة والاصطلاح»؛ أي ما تواضَع عليه المجتمع من عادات وتقاليد، لا تغوص جذورها في الضمير الفردي، ولا تَلقَى جزاءَها من وخزات ذلك الضمير، بل تستند إلى رأْيِ الجماعة في الفرد وحكمهم عليه، وجزاؤها يصدر عن رأيِ الجماعة أو القبيلة ومدى سيطرته على الفرد، وبذلك لم تصبح مبادئ الأخلاق عنده شيئًا مستقرًّا في أعماق النفس البشرية. 


ولكنها تستقر أيضًا المشاعر والعواطف والشهوات، بحيث يمكن أن يجري الصراع العنيف الذي يمزِّق النفس البشرية، ويُثير تفكير ومشاعر القارئ أو المشاهد حتى تلهث أنفاسُه ويرتفِعَ انفعالُه، وهذا واضح في مأساة المجنون مثلًا، حيث لا يجري الصراع في نفس ليلى بين الحب والواجب، بل بين الحب وتقاليد العرب، فهي لا ترفض الزواج من قيس؛ لأنَّ ضميرها يأبَى هذا الزواج؛ بل لأنَّ العرب تستنكر زواج الفتاة بمَن شبَّب بها وفضَح حبَّه لها، وفي «عنترة» نرى ألوانًا من نفس النوع الذي يستند غالبًا إلى تقاليد وأوضاع المجتمع لا إلى الضمير الفردي ومبادئ الأخلاق الشخصية.

أحدث أقدم