مؤسس الدولة العثمانية


كتبت:سماء جمال صابر


كثيرون هم من استطاعوا أن يرقوا لسلم المجد في حياتهم، ولكن قليلا من بين هؤلاء من استطاع أن يورث هذا المجد لأبنائه، وأقل القليل من جعل هذا المجد ميراثا في ذريته على مدى قرون عدة، ومن بين هؤلاء عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية، فمن عثمان هذا؟


إنه عثمان بن سليمان شاه التركماني المعروف بعثمان الأول يرجع نسبه إلى التركمان النزالة الرحالة من طائفة التتار.


وكان سبب ظهور أسرته على الساحة وصعودهم للملك أن السلاجقة لما تركوا وطنهم من فتنة جنكيز خان ملك التتار، ومالوا إلى جانب بلاد الروم جاء معهم أرطغرل، وكان رجلا شجاعاً، وبصحبته نحو ثلاثمائة وأربعين رجلاً من بني جنسه، فعمل في خدمة السلطان علاء الدين كيقباد بن كيخسرو بن قلج أرسلان بن طغرل السلجوقي -سلطان بلاد قرمان- فأعجب به لشجاعته، وقربه إليه، ثم زاد في عطائه ومِنَحه بعد أن فتحت على يديه كثير من البلاد.


وقيل: إن أرطغرل هذا كان راجعًا إلى بلاد العجم -أي فارس وما حولها- بعد موت أبيه غرقا عند اجتيازه أحد الأنهر فارا من أمام التتار فشاهد جيشين مشتبكين، فوقف على مرتفع من الأرض ليمتع نظره بهذا المنظر المألوف لدى الرحل من القبائل الحربية، ولما آنس الضعف من أحد الجيشين وتحقق انكساره وخذلانه دبت فيه النخوة الحربية، ونزل هو وفرسانه مسرعين لنجدة هذا الجيش المهزوم، وهاجم الجيش الآخر بقوة وشجاعة عظيمتين، حتى وقع الرعب في قلوب الذين كادوا يفوزون بالنصر، وأعمل فيهم السيف والرمح ضربا ووخزا، حتى هزمهم شر هزيمة.


وكان قائد هذا الجيش الذي قام بمساعدته هو الأمير علاء الدين كيقباد، وقد قام بمكافأته على هذا الفعل النبيل بإقطاعه عدة أقاليم ومدن، وصار بعد ذلك لا يعتمد في حروبه مع مجاوريه إلا عليه وعلى رجاله، وكان عقب كل انتصار يقطعه أراضي جديدة، ويمنحه أموالا جزيلة، ثم لقب قبيلته بمقدمة السلطان لوجودها دائما في مقدمة الجيوش.


وأمضى أرطغرل بعد ذلك باقي عمره في الجهاد والرباط؛ حتى سمي في المصادر التاريخية بـ"غازي الثغور" وبعد وفاته -سنة سبع وتسعين وستمائة تقريبا- كتب السلطان علاء الدين لابنه عثمان بالإمارة من بعده، وأرسل إليه خلعة وسيفا كعادته عند تثبيت الأمراء.


وكان عثمان خير خلف لأبيه، إذ قاد قبيلته وواصل بها غزواته حتى فتح الله له قلعة " قره " سنة 688 هجرية الموافقة سنة 1289 ميلادية، وبعدها منحه السلطان علاء الدين لقب بك، وأقطعه جميع الأراضي التي فتحها، وأجاز له ضرب العملة باسمه، وأن يذكر اسمه في خطبة الجمعة، وبذلك صار عثمان ملكا بالفعل لا ينقصه إلا اللقب.


وتابع فتوحاته، ففتح مدن "اينه كولي" و"يني شهر" و"كوبري حصار" و"بلجك" وغيرها.


ثم هيأت له المقادير أن يتسلطن على مملكة علاء الدين كلها، فقد حصل أن هاجم التتار في عام 1300 م تقريبا الموافق سنة 699 هـ مدينة قونية، وقتل أثناء تلك الهجمة علاء الدين وابنه غياث الدين، ولم يكن على الساحة من يخلفه غير عثمان لقدرته وكفاءته، فانفتح بذلك المجال أمامه، واستأثر بجميع الأراضي التي كان يستحوذ عليها علاء الدين من قبل، ولقب نفسه بادي شاه آل عثمان، وجعل مقر ملكه مدينة "يكى شهر" أي المدينة الجديدة، وأخذ في تحصينها وتحسينها

أحدث أقدم