كتبت/وفاء احمد مصطفى
إن ملحمة كلكامش مثلا، وهي من أقدم النصوص الإبداعية التي عرفها تاريخ المعرفة الإنسانية، بقدر ما عبّرت عن إشكالية وجودية تتعلق بزمنها، فإنها تواصل حضورها على امتداد الزمن بكل متغيراته، وما زالت تواجهنا بأسئلة جمالية وفكرية في آن واحد، وإن إشكالية الحياة والموت وهي الموضوعة الأساسية فيها، ظلت مما يشغل الإنسان على توالي العصور وما زالت حاضرة حتى الآن في الحياة الإنسانية رغم كل ما عرفه الإنسان من تقدم على جميع الصعد، لو نظرنا إليه بمنظور الماضي، لما بالغنا حين نصفه بأنه تقدم أسطوري.
ومما يلفت النظر ويتطلب البحث الجاد، كون هذا التقدم، وعلى جميع الصعد، لم يحرر الإنسان من تعلقه بما هو خرافي وأسطوري، حتى كأن المتخيّل الأسطوري على زمن كلكامش، لم يتغير بعد، إذْ ما زال كثيرون من بني البشر يبحثون عن حلول لمشاكلهم الحياتية في ما هو أسطوري وخرافي، حتى ليبدو لي أحيانا أن كلكامش ومن معه أكثر عقلانية منهم.
إن الإنجازات الإبداعية المهمّة، مع انتسابها إلى حقبة زمنية معينة، غير أنها تتجاوز التحقيب لتكون بعض فضاء الإبداع، وما ذهبت إليه بشأن كلكامش، يمكن أن يشمل الإلياذة أيضا، التي تنسب كتابتها إلى الشاعر الإغريقي هوميروس، عن حرب طروادة، في القرن الثامن قبل الميلاد، غير أنها ما زالت حاضرة ليس ببذخ بنائها الفني فحسب، وإنما بما طرحت من قضايا مثل البطولة والتضحية والحب وعلاقة المرء بوطنه وما إلى ذلك من قضايا وجودية، وهي قضايا لم تزل حاضرة هي الأخرى في حياة الإنسان، ويمكننا أن نذكر على هذا الصعيد عددا كبيرا من الأعمال الإبداعية، ليس مما يقتصر على أجناس الكتابة فقط، بل في النحت والموسيقى والرسم والعمارة.
إن جدارية اللبؤة الجريحة مثلا، وهي من أجمل ما أنجزه النحت الآشوري، تكاد تكون في حضورها إضاءة دائمة لكل فنان يحفر بإزميله على الحجر