كتبت/اسراء عصام شلتوت
وأما جمع القرآن فتلك حسنته العظمى وخصلته الكبرى ، وان كان وجدها كاملة، لكنه أظهرها وردَّ الناس إليها وحسم مادة الخلاف فيها. ولقد كان نفوذ وعد الله بحفظ القرآن على يديه رضى الله عنه .
وقد روى الأئمة بأجمعهم أن زيد بن ثابت قال: أرسل الىَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة اى عندما كانوا فى اليمامة (وذلك لما ارتدت بنو حنيفة برئاسة مسيلمة الكذاب)، فوجدت عمر بن الخطاب عنده ،فقال أبو بكر: "إن عمر أتانا فقال: أن القتل استحّر يوم اليمامة بقرَّاء القرآن (اى توفى الكثير من الصحابة الحافظين للقرآن)، وإنى أخشى أن يستحر القتل بالقرَّاء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإنى أرى أن نجمع القرآن. فقلت لعمر : كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه؟ فقال عمر :هذا والله خير . فيقول ابو بكر لم يزل يراجعنى حتى شرح الله صدرى لذلك ،ورأيت فى ذلك الذى رأى عمر ".
قال زيد : قال لى ابو بكر: "إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحى لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فتتبع القرآن فاجمعه". فيقول زيد والله لو كلفونى نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علىَّ مما (كلفانى وأمرانى) به من جمع القرآن . فقلت : كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر "هذا والله خير". فلم يزل يراجعنى حتى شرح الله صدرى للذى شرح له صدر أبى بكر وعمر.
وبالفعل بدأ زيد بن ثابت بتتبع القرآن وجمعه من العسب (أى جريدة النخل ) واللخاف (أى الحجاره البيضاء، وكانوا يكتبون عليها اذا تعذر الورق ) وصدور الرجال.
فيقول زيد :حتي وجدت آخر سورة التوبة مع ( أبي خزيمة الأنصاري )ولم أجدها مع أحد غيره "لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ" حتي خاتمة براءة
ولقد كانت الصحف عند سيدنا أبو بكر حتي توفاه الله،ثم عند عمر ،ثم عند حفصة بنت عمر. حتي جاء "حُذيفة بن اليمان " لعثمان رضي الله عنه، وكان وقتها يغازي أهل الشام في فتح ارمينيه وأذربيجان مع أهل العراق فقال حُذيفة لعثمان :"يا أمير المؤمنين ،أدرك هذه الامة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود النصاري "
فأرسل سيدنا عثمان لحفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها فى المصاحف ثم نردها إليك ، فأرسلتها حفصة لعثمان ، فأمر زيد بن ثابت ، وعبدالله بن الزبى ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف ، ثم رد سيدنا عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بحرق ما غير ذلك من القرآن فى كل صحيفة أو مصحف - لأنه رأى أن فى بقائها فساد ، أو كان فيها ماليس من القرآن أو مانُسخ منه ، أو على غير نظم القرآن.
وقد حاول بعض الناس أن يلوموا عثمان رضى الله عنه على أمره بإحراق المصاحف ، فقال لهم على بن أبى طالب رضى الله عنه :"لو لم يصنعه عثمان لصنعته أنا".
فجزى الله عثمان عن الأمة خير الجزاء ، وكان له الفضل فى رد الناس إلى قراءة واحدة ، كفضل أبى بكر فى جمع القرآن.