قم الليل واترك التكاسل




كتبت / سهيله حسن عبدالهادي


 

 ‏ لله درّ أقوام هجروا لذيذ المنام، وتنصّلوا لما نصبوا له الأقدام، وانتصبوا للنصب في الظلام، يطلبون نصيباً من الإنعام، إذا جنّ الليل سهروا، وإذا جاء النّهار اعتبروا، وإذا نظروا في عيوبهم استغفروا، وإذا تفكروا في ذنوبهم بكوا وانكسروا. قال عليه الصّلاة والسّلام:" عليكم بقيام الليل فإنّه دأب الصّالحين قبلكم، وإنّه قربة إلى ربّكم، ومغفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم ".


 وفي المسند عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم:" عجب ربّنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين حبّه وأهله إلى صلاته، ورجل غزا في سبيل الله فانهزموا، فعلم ما عليه في الفرار وما له في الرّجوع، فرجع حتى أهريق دمه ". 


قال أبو ذر رضي الله عنه:" سألت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أيّ صلاة الليل أفضل؟ قال: نصف الليل وقليل فاعله ".


 قال داود عليه الصّلاة والسّلام:" ياربّ، أي ساعة أقوم لك؟ فأوحى الله إليه: يا داود، لا تقم أوّل الليل ولا آخره، ولكن قم في شطر الليل حتى تخلو بي وأخلوا بك، وارفع إليّ حوائجك ". 


وروى عمر بن عبسة، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أنّه قال:" أقرب ما يكون الربّ من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممّن يذكر الله في تلك السّاعة، فكن ".


 وكان همّام بن الحارث يدعو:" اللهم ارزقني سهراً في طاعتك، فما كان ينام إلا هنيهةً وهو قاعد "، وكان طاوس يتقلب على فراشه، ثمّ يدرجه، ويقول:" طيّر ذكر جهنّم نوم العابدين ".


 وقال القاسم بن راشد الشيباني:" كان ربيعة نازلاً بيننا، وكان يصلي ليلاً طويلاً، فإذا كان السّحر نادى بأعلى صوته: يأيها الرّكب المعرسون: أهذا الليل تنامون، ألا تقومون فترحلون، قال: فيسمع من ههنا باك ومن ههنا داع، فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته: عند الصباح يحمد القوم السّرى "، وقال الضحّاك:" أدركت قوماً يستحيون من الله في سواد هذا الليل من طول الضجعة ".


 يا منزل الأحباب أين ساكنوك؟ يا بقاع الإخلاص أين قاطنوك؟ يا مواطن الأبرار أين عامروك؟ يا مواضع التهجّد أين زائروك؟ خلت والله الدّيار، وباد القوم، وارتحل أرباب السّهر، وبقي أهل النّوم، واستبدل الزّمان أكل الشّهوات يا أهل الصّوم. كفى حزناً بالواله الصّب أن يرى منازل من يهوى معطلةً قفرا لله درّ أقوام اجتهدوا في الطاعة، وتاجروا ربّهم فربحت البضاعة، وبقى الثّناء عليهم إلى قيام السّاعة، لو رأيتهم في الظلام وقد لاح نورهم، وفي مناجاة الملك العلام وقد تمّ سرورهم، فإذا تذكّروا ذنباً قد مضى ضاقت صدورهم، وتقطعت قلوبهم أسفاً على ما حملت ظهورهم، وبعثوا رسالة النّدم والدّمع سطورهم.

أحدث أقدم