مسجد الظاهر بيبرس البندقداري .....الجامع الباكي


مسجد الظاهر بيبرس البندقداري .....الجامع الباكي
كتب/محمد عزيز شعبان
تمتلئ القاهرة بمئات المساجد العريقة التي شهدت على تاريخ المدينة الطويل و أحداثه العظام و أثناء جولتك في القاهرة و تحديدا في حي الظاهر ستدهشك بقايا تحفة رائعة كانت هي السبب في إعطاء ذلك الحي إسمه و هي جامع السلطان (الظاهر بيبرس البندقداري ) (1260-1277م) سلطان مصر والشام ورابع سلاطين الدولة المملوكية ومؤسسها الحقيقي، بدأ مملوكاً يباع في أسواق بغداد والشام وانتهى به الأمر أحد أعظم السلاطين في العصر الإسلامي الوسيط , حقق خلال حياته العديد من الانتصارات ضد الصليبيين وخانات المغول ابتداءً من معركة المنصورة سنة 1250 م ومعركة عين جالوت انتهاءً بمعركة الأبلستين ضد المغول سنة 1277م. وقد قضى أثناء حكمه على الحشاشين واستولى أيضا على إمارة أنطاكية الصليبية , أحيا خلال حكمه الخلافة العباسية في القاهرة بعد ما قضى عليها المغول في بغداد، وأنشأ نظُماً إداريةً جديدة في الدولة. اشتهر بيبرس بذكائه العسكري والدبلوماسي، وكان له دور كبير في تغيير الخريطة السياسية والعسكرية في منطقة البحر المتوسط.
أما عن قصة بناء المسجد , فقد أرارد السلطان إنشاء جامع بالحسينية فأمر جماعة من المهندسين بكشف مكان يليق ببناء مسجد فأختاروا مكان مناخ الجمال أي الإسطبل لكن السلطان رفض أن يكون المسجد مكان الجمال , و قال أنه سيجعل المكان ميدان يتنزه به و يلعب به الكرة , فأعد المهندسين البحث حتى أستقروا على مكان يقال له (قرقوس) خارج القاهرة الفاطمية كمل يقول المقريزي , فعاينه السلطان و وافق عليه و أمر بأن يبنى الجامع و يستغل باقي الميدان كوقف للصرف على المسجد , كما أطلع السلطان بنفسه على مخططات البناء و أمر ببعض التعديلات , فقد عدل على الباب و أمر بأن يكون مثل باب المدرسة الظاهرية , كما أمر بأن يكون له قبة كقبة الإمام الشافعي , و بدا البناء عام 1267م و حتى العام 1269م .
يقول المقريزي :- ( أرسل السلطان الأوامر إلى كل البلاد المصرية لإحضار الرخام و إحضار الأبقار و الجواميس و الحمير لنقل المعدات الثقيلة المستخدمة في البناء و إحضار الألات الحديدية و الأخشاب النقية لصنع الأبواب و السقف , و ولى عدة ملاحظين على البناء ).
ظلت تقام الشعائر في المسجد حد بدايات القرن السادس عشر الميلادي و هو زمن دخول العثمانيين إلى مصر , فتوقفت الصلاة في المسجد و توقف الإنفاق عليه و ذلك لأتساعه و عجز الولاة العثمانيين في الصرف عليه , فأهمل المسجد و بدأت من هنا مرحلة معاناته ,فوجهت أولى الضربات إليه من قبل العثمانيين بتحويله إلى مخزن للمعدات الحربية و السروج , ثم جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798م و تحول إلى قلعة و ثكنة للجنود الفرنسيين و عرف بقلعة (سيكوفسكي) , و في عصر محمد علي باشا تحول إلى معسكر لطائفة التكارنة السنغالية , ثم مخبز و أخيرا مصنعا للصابون .
و في عام 1812م نقلت أعمدة الجامع الرخامية و بعض أحجاره لبناء رواق الشراقوة بالجامع الأزهر الشريف بناءا على أوامر من شيخ الجامع الأزهر حينها الشيخ عبدالله الشرقاوي , و يقال أن بعض حجارته قد استخدمت في بناء قصر النيل الذي قام ببناءه محمد علي باشا لإحدى بناته , و لم يتوقف أنين الجامع عند هذا الحد فجاء العام 1882م و بدأ الإحتلال الإنجليزي لمصر و حوله الإنجليز إلى مخبز ثم مذبح و قد عرف بالمذبح الإنجليزي حتى توقف عام 1915م .
في عام 1918م تسلمته لجنة حفظ الأثار العربية و حاولت ترميمه خصوصا المنطقة حول المحراب و جعلته مصلى و تم تحويل المتبقي منه إلى حديقة عامة , و مازال الجامع حتى الأن تحت رحمة الترميم الذي بدأمنذ عام 2007م و توقف بسبب أحداث 2011م ثم أعيد فتح ملف ترميمه مرة أخرى عام 2018م بمجهود مشترك بين الحكومة المصرية و منحة من الحكومة الكازاخستانية بإعتبار أن السلطان بيبرس كان أصله من تلك المنطقة و مازال العمل على الترميم لإعادة و لو جزء بسيط من عظمة ذلك المسجد .
وصف المسجد :-
وبرغم ما عانه جامع بيبرس من إهمال وسوء استخدام كما سبق الذكر، فإنه ما يزال يسترعى إعجاب الناظرين بجمال عمارته وفخامة مبانيه التى تظهر لأول وهلة فى مدخله التذكارية ونقوشه الجصية.
يتكون الجامع من مربع يبلغ طول ضلعه 100 متر ويحيط به سور من الحجر يبلغ ارتفاعه 11 متر ويعلو السور شرفات يبلغ ارتفاعها متر ونصف المتر، ما يزال جزء منها باقيا فى الضلع الجنوبى من المسجد، وقويت أركان الجامع من الخارج بأربعة أبراج اثنان مربعان على طرفى الضلع الشرقى والآخران مستطيلان، والأبراج مصمتة ماعدا ذلك الذى يشغل الركن الجنوبى الغربى فهو مجوف إذ يشغله درج يؤدى إلى سطح الجامع، وقد فتحت فى البرج الأخير أربع نوافذ صغيرة فى الجهة للغربية واثنتان فى الجهة الجنوبية واثنتان فى الضلع الشرقى وكذلك قوى السور الخارجى بدعائم , يحتوى المسجد على ثلاثة مداخل تذكارية بارزة عن السور الخارجى، المدخل الرئيسى منها يتوسط الضلع الغربى، أما المدخل الشمالى والجنوبى فيتوسطان صحن الجامع فقط.
وكما يقول كتاب "مساجد مصر وأولياؤها الصالحون"، يعتبر المدخل الرئيسى تحفة معمارية رائعة إذ يبلغ اتساعة 12 مترًا تقريبًا ، ويتوسط المدخل باب معقود يبلغ سعة عقده 3.95 مترًا ومزخرف بصنجات مفصصة، وكان يتركز على عمودين من الرخام فقدا الآن، وعلى جانبى هذا الباب من أسفل يوجد حنيتان مستطيلتان يعلوهما صفان من الدلايات وبداخلهما تجويفان يعلوهما عقد مفصص.

 

أحدث أقدم