كتبت/آلاء عصام
كانت الدنيا مليئة بالمشركين، هذا يدعو صنماً، وهذا يرجو قبراً، والثالث يعبد بشراً، والرابع يعظم شجراً.
وكان من بين هؤلاء الناس سيد من السادات، هو "عمرو بن الجموح"، كان له صنم اسمه مناف، يتقرب إليه، ويسجد بين يديه، منذ ولادته حتى جاوز الستين عاماً.
فلما بُعث النبى صلى الله عليه وسلم فى مكة، وارسل مصعب بن عمير داعياً ومعلماً، أسلم ثلاثة من أبناء عمرو مع أمهم دون علم أبوهم، فذهبوا إلى ابيهم وأخبروه بأمر هذا الداعى وقرأوا عليه القرآن، فقال لن أفعل حتى أشاور مناف، ثم قام عمرو إلى مناف وكانوا إذا أرادو أن يكلموا أصنامهم جعلو خلفها عجوزاً تجيبهم بما يلهمها به الصنم، أقبل عمرو يمشي بعرجته إلى الصنم وكانت إحدى رجليه أقصر من الاخرى، فوقف بين يدي الصنم معتمداً على رجله الصحيحة، تعظيماً واحتراماً، ثم حمد الصنم، وأثنى عليه، ثم قال يا مناف لاريب أنك قد علمت بخبر هذا القادم، فأشر علىَّ، فلم يرد الصنم، فأعاد عليه فلم يجب، فقال لعلك غضبت، وإنى ساكت عنك حتى يزول غضبك، ثم تركه وخرج فلما اظلم الليل، أقبل أبناؤه إلي مناف، فحملوه وألقوه فى حفرة فيها أقذار، فلما أصبح عمرو دخل إلى صنمه، فلم يجده فصاح بأعلى صوته فى أهله، ويلكم من عدا على إلهى الليلة، فسكت أهله، ففزع واضطرب، وخرج ليبحث عنه، فوجده منكساً على رأسه فى الحفرة، فأخره وطيبه وأعاده إلى مكانه، فقال والله يا مناف لو علمت من فعل هذا بك لأخزيته، فما كانت الليلة الثانية، فكرروا الأبناء ما فعلوه مرة اخرى، ثم مازال الفتية يفعلون ذلك بالصنم كل ليلة، وهو يخرجه كل صباح، فلما ضاق به ذرعاً، ذهب الى الصنم، ثم علق فى رأسه سيفاً، وقال ادفع عدوك عن نفسك، فلما جن الليل حمل الفتية الصنم، وربطوه بكلب ميت، وألقوه فى البئر النتن، فلما أصبح عمرو بحث عن مناف، فلما رآه على هذه الحال، قال:
(ورب يبول الثعلبان برأسه.... لقد خاب من بالت عليه الثعالب)
ثم دخل فى دين الإسلام، ومازال يسابق الصالحين، فى ميادين الدين، ولما أراد المسلمون الخروج إلى معركة بدر، منعه أبناؤه، لكبر سنه وشدة عرجه، واستعانوا بالرسول صلى الله عليه وسلم لإبقائه فبقى،
فلما كانت غزوة أحد أراد الخروج للجهاد، فمنعه أبناؤه، فذهب إلى رسول الله، يدافع عبرته، فقال يا رسول الله إن ابنائى يريدون أن يحبسونى من الخروج معك إلى الجهاد، قال صلى الله عليه وسلم:
إن الله عذرك فقال: يا رسول الله والله إنى لأرجو أن أطأ بعرجتى هذه فى الجنة، فأذن له صلى الله عليه وسلم بالخروج، فأخذ سلاحه وقال: "اللهم ارزقنى الشهادة ولا تردنى إلى أهلى"، فلما وصلو إلى ساحة القتال انطلق يضرب بسيفه جيش الظلام، ويقاتل عُباد الأصنام، حتى توجه إليه كافر بضربة سيف، كتبت له بها الشهادة، فدفن ومضى مع الذين أنعم الله عليهم من الصديقين والشهداء،
وبعد ٤٦عاماً فى عهد معاوية رضي الله عنه، نزل بمقبرة شهداء أُحد سيل شديد غطى أرض القبور، فسارع المسلمون إلى نقل رفات الشهداء، فلما حفروا عند قبر "عبد الله بن الجموح"، فإذا هو كأنه نائم، لين جسده، تنثنى اطرافه، لم تأكل الارض من جسده شيئاً.