مؤامرة الحريم .....سر المومياء الصارخة


كتب/ محمد عزيز شعبان 

    خلال زيارتك للمتحف المصري بالتحرير و تحديدا قاعة المومياوات حتما سيلفت إنتباهك مومياء ترتسم على وجهها كل علامات الرعب و الفزع و كأنها ماتت و هي تصرخ و ما يلفت إنتباهك أكثر هي أنها و غير جميع المومياوات الأخرى الملفوفة بلفائف الكتان الأبيض الفاخر ، بل هي ملفوفة بجلد الماعز و الذي يعد غير نقي في الميثولوجيا المصرية القديمة فما هي قصة تلك المومياء و لماذا تصرخ ؟؟؟؟؟

    لكي نعرف قصتها علينا أن نرجع إلى عهد الملك (رمسيس الثالث) أحد أهم ملوك الأسرة العشرين في الدولة الحديثة و التي عرفت بأسرة (الرعامسة) و الذي حكم بين عامي (1186- 1155ق.م) و يعتبر هذا الملك أخر ملوك الدولة الحديثة الأقوياء فبموته يبدأ العصر المتأخر و الذي توالت فيه على مصر العديد من أسر الحكام الأجانب حتى دخول مصر رسميا في الحقبة الإغريقية بعد دخول الإسكندر الأكبر عام 332ق.م .

   يحفل سجل الملك رمسيس الثالث أو كما عرف ب(الملك المحارب) بالعديد من الإنتصارات و الإنجازات العظيمة منها على سبيل المثال : هزم الغزاة المعروفين باسم "شعوب البحر"، الذين كانوا بمثابة مغول العصور القديمة و الذين تسببوا في تدمير الحضارات والإمبراطوريات الأخرى المجاورة. كان قادرا على إنقاذ مصر من الانهيار في الوقت الذي سقطت فيه العديد من الإمبراطوريات خلال نهايات العصر البرونزي , كما اهتم رمسيس الثالث بإعادة تنظيم الإدارة وتوقيع اتفاقيات للسلام، وإعادة العبادة على الطريق الصحيح، والقضاء على الفساد الذي كان يفكك البلاد. هذا الإصلاح تم عن طريق التقسيم الإداري إلى طبقات: مسئولون البلاط ومسئولون المحافظات والعسكريون والعمال.

   تعافي اقتصاد البلاد بسرعة بفضل الضرائب الضخمة التي وصلت من المدن النوبية والأسيوية ودخلت التجارة الخارجية مرحلة حيوية كاملة، و وصلت إلى الأراضي المصرية (وخاصة من بلاد بونت) منتجات أنيقة وباهظة الثمن وكان عليها إقبال شديد من قبل المجتمع. كما زاد التطور و التنمية الإقتصادية من البناء وارتفاع المعابد الجديدة واثراء الموجودة والقائمة و لعل أبرز أثاره القائمة حتى الأن هو معبد مدينة هابو في البر الغربي لمدينة الأقصر وهو معبد جنائزي أقيم لعبادة المعبود أمون .

    و لكن حياة الملك العظيم لا تخلو من سقطات كبيرة كانت من أهم الأسباب التي رسمت الطريق إلى نهايته المأسوية , و بالرغم من أعدائه الكثيرين و خصومه لكثرة حروبه و مغازيه إلا أن طعنة النهاية جاءت من أقرب الناس إليه , إبنه و إحدى زوجاته !!! فكيف ذلك ؟؟؟؟

    يقول الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار السابق، إن "الملك رمسيس الثالث كان محباً للنساء وخمورجي , وأضاف "حواس"، خلال برنامج مساء dmc، ضمن حديثه عن نتائج مشروع فحص المومياوات، الذي يشرف عليه، أن رمسيس الثالث كان محارباً عظيماً، وكان عاشقاً للنساء يمتلك منهن المئات، ويبدو أن ذلك كان سبباً في غيرة إحدى زوجاته الثانويات وأجج غضبها اختياره لابنه رمسيس الرابع ليكون وليا للعهد، لذا قررت زوجته (تيي) التآمر لقتله مع مجموعة من نساء القصر من زوجات كبار رجال الدولة فيما عرف بـ"مؤامرة الحريم"، والتي شارك فيها عدة أشخاص في مناصب رفيعة في البلاط الملكي .

   وتابع: قد أراد المتآمرون قتل الملك ووضع بنتاور ابن الملكة تيي على العرش، بدلاً من الوريث المعين بالفعل، الذي صار فى ما بعد الملك رمسيس الرابع، والذي كان ابناً لإحدى الزوجتين، الملكة تيتي , لكن الخطة لم تسر بالشكل المطلوب فقد تعرض الملك رمسيس الثالث للإغتيال بالفعل لكنه لم يمت و تم القبض على الجناه و أقدم الكثير من المتآمرين على الإنتحار و تم إعدام الأمير بنتاور شنقا لم يتم تحنيطه على الإطلاق بل تم الاكتفاء بتجفيفه فى ملح النطرون ثم صب الراتنج بداخل فمه المفتوح و كأنه يصرخ و لفه بجلد الماعز , كما وجدت مومياءه في خبيئة الدير البحري و يديه ورجليه مربوطتين بحبال من الجلد , كما أن وجود علامات شنق على رقبته , و لكن هل تعني فشل المؤامرة أن الملك رمسيس الثالث لم يمت ؟؟؟؟

وردت القصة بالكامل في بردية (مؤامرة الحريم )الموجودة في المتحف المصري بتورينو دون أن تشير إلى مصير الملك رمسيس الثالث أو زوجتي (تي) المتآمرة عليه إلا ان فحصا اجري على مومياء رمسيس الثالث أظهر أدلة جديدة عن حياة الملك ووفاته تفيد بأنه توفى فى الـ 60 من عمره وأنه كان يعانى من التهاب بالمفاصل، لكنه لم يتوف نتيجة لكبر سنه، فعند الفحص الدقيق لمنطقة الرقبة بالأشعة المقطعية تبين أن شخصا ما كان قد فاجأه من الخلف بطعنه فى الرقبة بسلاح حاد ومدبب كالخنجر، وقد وصل عرض الجرح البالغ فى الأنسجة لـ35 مم وامتد بعمق حتى وصل لنهاية الفقرة الخامسة وحتى الفقرة السابعة من فقرات الظهر، قطع الجرح جميع الأعضاء الموجودة بمنطقة الرقبة بما فيهم البلعوم، القصبة الهوائية، والأوعية الدموية الأساسية .

الأشعة المقطعية أظهرت أيضا أن المومياء احتفظت بجميع التمائم التى وضعها المحنطون داخل اللفائف الكتانية، حيث تم العثور على تميمة على شكل عين ودجات والتى ترمز لعين حورس، وقد تم وضعها على حافة الجرح الموجود بالرقبة باعتبارها رمزا للحماية والشفاء، حيث إنها تمثل عين حورس التى جُرحت فى إحدى المعارك بينه وبين الإله سيث، وتم شفاؤها بمعجزة من قبل الإله دجحوتى، وتم وضعها من قبل المحنطين بداخل الجرح متمنين شفاءه فى الحياة الأخرى، كما أظهرت الأشعة المقطعية وجود أربعة تمائم تمثل أبناء حورس الأربعة بداخل اللفائف الكتانية عند منطقة الصدر لحماية المومياء.

  تولى الملك رمسيس الرابع بعد وفاة أبيه وقرر إغلاق هذا الموضوع بسبب التتويج واعلن العفو العام ولكنه فشل في وقف التدهور السلطة الملكية.


أحدث أقدم